الخطاط عمر الجمني

الخطاط عمر الجمني يعدّ أحد الرموز الفنية الفاعلة على مستوى الساحة الخطية التونسية وهو يعتبر من الجيل الرابع للمدرسة التونسية للخط لكامل القرن الماضي، له إسهامات ومشاركات عربية مختلفة كما أن له حضورا في مختلف التظاهرات والمهرجانات العربية والدولية، متحصل على شهادة الكفاءة المهنية في التصميم والإشهار وهو يشتغل خطاطا ومصمما غرافيكيا بصحيفة البيان التونسية. تحصل على عديد الجوائز الدولية وشارك في عديد المعارض الدولية.
أنجز العديد من الأعمال الفنية الرسمية وتصميمات غرافيكية سمعية وبصرية كما كتب عديد الجداريات في المساجد التونسية.
أصدر سنة 2009 كتابا فنيا «لحن الكائنات» لأبي القاسم الشابي ونال تكريما في «بيت الحكمة» وللغوص في عالمه الفني مع الخطاطة والتصميم الغرافيكي كان لنا معه هذا الحوار التالي:
 حدثنا عن بداياتك الخطية?
تعود بداياتي الخطية منذ كنت صغيرا حيث كنت أطلع على كراسات أخي الأكبر الذي كان يزوّقها مما أثار إعجابي وانبهاري وكذلك عناوين الكتب الإسلامية الذي كان يتصفحها والدي رحمه اللّه والتي استرعت انتباهي واهتمامي وخاصة شدتني جمالية الحروف العربية وغرست فيّ ذاك الجمال ومن ذلك الحين كان تعلقي ومحبّتي للحرف واستهواني فن الخط حيث تكونت لديّ موهبة وملكة فنية مررت من خلالها بعدة تجارب كانت ناجحة وموفقة شجعتني على الغوص في غمار الإحتراف الفني في مجال الخط وكانت الإنطلاقة الأولى سنة 1981 في مجلة الإذاعة والتلفزة ثم كانت نتيجة أولى مشاركاتي فوزي في إحدى المسابقات الدولية للخط الارسيكا IRCICA في اسطنبول بتركيا.
 هل لنا أن نتعرف على تجربتك مع الحروفية والحرف العربي وأسلوبك الخاص شكلا ومضمونا وتشكيلا?
الحروفية فن قائم الذات له مختصوه فهو فن يمكننا من الابحار في عالم الحرف العربي بالمنظور التشكيلي الذي ليس له حدود.. والحروفية بالتالي هي حرية كاملة دون قيد غير أن لها قواعدها وجماليتها تخضع لجماليات الفن التشكيلي من ذلك أقرأ النص الشعري أو القول المأثور أو حتى القرآن الكريم وأخذ من حرية الحروفية وتطويعها الى النص المقروء مستعيرا حركيات الحروفية وألوانها وهذا من أساسيات بعض أعمالي.
 ماهي مواصفات ووظيفة دور الحرف العربي في اللوحة الفنية؟
جمال الحرف العربي وحسن جودته وهو يمثل أساس اللوحة الفنية اذ انه لا يمكن لنا ان نبني لوحة خطية بحروف ضعيفة التسطير فاذا نجح الحرف ونجحت الكلمة ونجح التركيب مع الالوان في منظومة تشكيلية معينة وهذا هو من الشروط الأساسية للنجاح.
 ماذا أعطاك الحرف العربي وأضاف لك؟
اي تخصص كان اذا احترمته يحترمك واذا استوعبته تكتشف نفسك فيه على قدر تعمقك على قدر عطائه لك كذلك الحرف العربي فكل خطاط لا بد أن يمر بالمرحلة الأولى وهي من اساسيات وقواعد الحرف العربي ثم الامتهان ثم المحلة الثانية تأتي على قدر محبته للحرف ينتقل به الى الاضافة والتطوير اذ انه من غير المعقول ان نتعلم شيئا ولا نضيف عليه مسحة اجمل وهنا مسؤولية كبرى يسجلها التاريخ له وعليه.
 لو تطلعنا على تجربة تخصصك في التصميم الغرافيكي؟
التصميم الغرافيكي له تخصصا وأساليب كثيرة نجح البعض منها في تونس وهو يتطلب المزيد من المعرفة والالمام بهذا الفن وهو اداة نستطيع بواسطته ان نعبر به للوصول الى اهدافه بأسلوب محلي تكون له قراءة عالمية وبحكم تواجده في أروقة الفن الغرافيكي التي هي المطبعة وبشكل عام حصلت لي معرفة على مدى خمسة وعشرين سنة أثرت فيّ حتى في أعمالي الفنية ايجابيا، وهذا الفن بديع جدا ومن الضروري على الخطاط ان يطلع عليه بعين الدراسة ان لم يكن أساسيا.
 بخصوص التجارب التي تقوم بها بواسطة الحاسوب هل أدت الى ادخال واضفاء جماليات حديثة معاصرة على مستوى الحرف العربي ككل وعلى جميع الخطوط عموما؟
الحاسوب أداة سحرية على قدر فهمنا لها على قد عطائها لنا في برمجياتها الحديثة لن يكون لنا عذر للركود الفني فبواسطتها يمكننا صنع المستحيل وما يدور في مخيلتنا بشرط ان نكون نحمل موروثنا ثقافيا كخلفية ننطلق منها الى الإبداع الحديث المتزن ليحتل مكانة في ما يسمونه بالعولمة.
 هل الحاسوب ساعد على اعطاء خطوط جيدة وهل ترى في ذلك من تقليص لدور الخطاط الكلاسيكي ؟
هذه سمة التطور فهناك برمجيات حافظت على الخط العربي باروع ما يكون والإبداع فيها يتوقف على مدى مستوى الخطاط كلاسيكيا فنا وتطبيقا وهناك برمجيات اخرى فشلت في تعاملها مع الحرف العربي ذاته مما أربك وضع الكلمة في السطر نتيجة لضعف المبرمج وعدم المامه بقواعد الخط العربي لا سيما الخطوط اللينة.
 بمن تأثرت في بداية مكوناتك الخطية الاولى؟
تأثرت بالعديد منهم نذكر على وجه الخصوص هاشم البغدادي وحامد الآمدي ومحمد شوقي.
 اين تضع نفسك وتحدد موقعك في مدونة الخط العربي؟
- أنا لا استطيع ان احدد لنفسي مكانا ضمن المدونة الخطية ولكن عملي ونتاجي هما اللذان يحدداني( فقيمة المرء ما يحسنه)
 كيف تقيم مسيرتك الفنية بعد سنوات عدة من التعامل مع الخطوط وتتويجك عربيا وعالميا بجوائز تقديرية هامة؟
اكاد اجزم ان مسيرتي الفنية بدأت الآن الا انني سأعتمد فيها على ترجيح كفة التوازن الفني مع الشرق العربي بمعنى ان لنا منطقة المغرب العربي موروثا خطيا لا يقل شأنا عن نظيره في الشرق العربي وهذه بالاساس مهمة الخطاط ان يبرز جمال تراثه ويبدع فيه بالاضافة الى تحقيق هذا التوازن.
 كيف تقيّم الحركة الفنية الخطية في تونس اليوم؟
الحركة الخطية عندنا تسير ببطء شديد رغم مجهود مجموعة من الفنانين الذين يكافحون من اجل ايجاد مكانة لهم في الحركة العالمية الفنية للخط العربي على اختلاف اختصاصهم وتوجهاتهم من امثال ياسين مطير وعامر بن جدو وطارق عبيد وكمال البحري واسامة الوافي وغيرهم.
 وكيف ترى مستقبل الخط العربي في تونس؟
هو ان نعلم اطفالنا ابجديات موروثنا الحضاري انطلاقا من رياض الاطفال إلى الجامعة وبهذا تتجذر المسألة ولا نعود نخشى اضمحلال فنوننا بما في ذك الخط العربي.
 أصدرت كتابا فنيا «لحن الكائنات» لأبي القاسم الشابي فماذا أردت تقديمه وإبرازه لمنجز أعمالك في فن الخط العربي وبالمناسبة كان لك تكريم في «بيت الحكمة» فماذا يمثل بالنسبة إليك هذا التكريم؟
أردت من كتابي «لحن الكائنات» كشف جانب مخفي في الخط العربي وهو التعبير من ترجمة المقروء الى البصري مما يضع النص الشعري في إطار تعبيري لوني وحركي بالضرورة مع محتواه.
وعن تكريمي في «بيت الحكمة» وهو شيء جميل فقد وضعني في منزلة طيبة، هذا في الظاهر وفي الباطن مسؤولية كبرى حمّلني إيّاها «بيت الحكمة»، حيث أصبحت مطالبا بإيجاد آفاق فنية أخرى للغوص في عالم الحرف العربي وللعثور على بدائع أخرى لأطفو بها الى السطح.
 ماذا عن نشاط حركيتك الفنية وآخر مشاركاتك؟
كانت لي مشاركات عديدة أذكر منها بالخصوص مشاركتي في معرض مجلة حروف عربية الخاص بالقدس كعاصمة للثقافة العربية والملتقى الرابع للخط العربي في الشارقة إضافة الى عضوية في لجنة التنظيم لهذا الملتقى ومعرض فسيفساء بالشارقة وكانت آخر مشاركاتي كعضو في لجنة التحكيم في مهرجان تلمسان كعاصمة الثقافة الاسلامية ثم ملتقى خطاطي العالم للمصحف الشريف بالمدينة المنوّرة وذلك تحت إشراف مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ثم الملتقى الودّي بين الخط العربي والصيني في مدينة لين يي بالصين ثم هنالك مشاركات أخرى قيد التحضير.
 من خلال مشاركاتك الدولية كيف ترى الخط العربي على المستوى الدولي؟
الخط العربي أصبح فنا عالميا إلا أنه لم يقتصر على العرب والمسلمين بل أصبح مادة متطورة جدا فاقت التصورات التي نمتلكها ودخل عالم التعابير القوية والسيطرة الكليّة على جماليته بحيث تجاوز ذلك الى صور تجسد المحتوى اللفظي بأسلوب لم يخطر على البال والحفاظ على قواعده في كثير من الأعمال وقد نجحوا في ترجمة النص القرآني من المقروء الى البصري بشكل جيّد جدّا.
 ماذا عن طموحاتنا التي نرنو اليها كتونسيين ليكون لنا مكان قويّ وحضور فاعل؟
تونس بلد حضاري غني بالتراث والخصوصيات المتفردة التي لا توجد في بلاد أخرى وانطلاقا من هذا لا بدّ من البحث وإيجاد الأفكار الطريفة التي تتنوع حسب ثقافة الخطاط وإلمامه ببلاده فالمسألة تتطلب المجهود الفكري والمادي والإيمان بالفكرة.

حاوره: العربي الزوابي